تونس- الصباح
تقلص الوقت الذي يقضيه محمد الصديق للوصل إلى مقر عمله في منطقة البحيرة، بنحو الساعة والربع بعد ربط الزهروني مكان سكناه بخط القطار السريع بوقطفة – تونس. لم يعد ينتظر الحافلة التي لا تأتي في مواعيدها، كما تخلى نهائيا عن فكرة امتطاء سيارة النقل الجماعي وتفاصيل مغامراتها اليومية.
وتختصر الحاجة منية وصفها للقطار السريع بالقول إنه “رحمة من الله”، يأتي في موعده كل نصف ساعة، آمن لا يسجل لا أحداث عنف ولا براكاجات أو سرقة، أقل كلفة سعره 700 مليم، في حين أن النقل الجماعي 1200 مليم، وأخيرا سريع إذ يُمكّنها يوميا من الوصل في ربع ساعة من محل سكناها في الحرايرية إلى محطة برشلونة.
وفضلا عن مواقيته الدقيقة وعدم اكتظاظه ومستوى الأمن المسجل داخله، ساعد القطار السريع محسن، الذي يقطن في حي الزهور من إدخال السعادة على أطفاله ومكنهم من حقهم في الترفيه بأقل كلفة، ففي الوقت الذي كان يتطلب ذهابه وأولاده الى شاطئ المرسى أو أميلكار خلال الصائفة على الأقل مائة دينار، اليوم يمكنه أن يقوم بذلك بربع المبلغ فقط. يركب القطار السريع يصل محطة برشلونة في اقل من ربع ساعة يركب قطار الأحواز فيجد نفسه بعد نصف ساعة على شاطئ البحر.
الصورة التي يمكن أن تراها في الخط الحديدي للقطار السريع تونس بوقطفة تختلف تماما عن تلك التي يعيشها التونسيون يوميا مع النقل العمومي، يأتي في موعده لا تعرف عرباته اكتظاظا، مريح ونظيف يتوفر غالبية الركاب داخله على مقاعد..
ويربط الخط الحديدي (E) للقطار السريع، بين محطة برشلونة ومحطة بوقطفة، ويشترك في الكيلومترات الأولى مع الخط (D)، يمر بعدها من نفق السيدة المنوبية، لينفصل غربا ويلتف حول سبخة السيجومي من شمالها تاركا وراءه محطة النجاح، فمحطة الطيران- الزهور1 مرورا بالزهور2، فالحرارية وصولا إلى منطقة بوقطفة، ومن المنتظر أن يمتد الخط إلى منطقة السيجومي حسب شركة الشبكة الحديدية السريعة(RFR) .
وفعليا تم الانطلاق في الاستغلال الرسمي التجاري للقطار السريع تونس- بوقطفة يوم 27 مارس2023 أي بعد أسبوع مجاني تجريبي. وبلغ عدد السفرات المنجزة إلى غاية 30 نوفمبر 2023، حسب الشركة الوطنية للسكك الحديدية، الطرف المستغل للقطار السريع، 20 ألفا و277 سفرة تم خلالها نقل 2 مليون و644 ألفا و570 من المسافرين بمعدل 11 ألف مسافر يوميا. وخلال الـ 249 يوما المذكورة بلغت مداخيل الشركة الوطنية للسكك الحديدية نحو الـ 2 مليون دينار ( 1 مليون دينار و 968 ألفا و860 دينارا).
وواجهت أشغال الشبكة الحديدية السريعة عديد الإشكاليات وتعطل انجازها في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية، لتدخل حيز الاستغلال في خطها تونس بوقطفة يوم 20 مارس 2023. وعلى ما يجده هذا الخط الجديد من استحسان ورضا لدى التونسيين والتونسيات وما يمثله من نقلة نوعية وفك للعزلة، لعدد هام من الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية، إلا أنه كان محل نقد وشكايات منذ الأشهر الأولى لاستغلاله أين قام المبلغ عصام الدين الفيتاتي سائق قطار بالشركة التونسية للسكك الحديدية، بتقديم شكاية في شأنه تسببت له حسب تصريحه لـ”الصباح” في طرده في شهر سبتمبر 2022، أي أشهرا قبل تدشين القطار السريع.
وتعلقت الشكاية بعدم ملاءمة بين القاطرات والسكة المعتمدة في الكيلومترات الأولى انطلاقا من محطة برشلونة، وهو أمر من شانه أن يتسبب في احتكاك سريع للعجلات ويقلص من مدة صلاحيتها ويكون سببا في حوادث، كما قال عصام الدين الفيتاتي. والأكثر من هذا أفاد نفس المصدر أن نتائج عدم الأخذ بالتبليغ الذي قدمه، قد طفت سريعا على مستجدات الخط E للخط الحديدي السريع. وخرجت حسب أقواله عربتان عن الخدمة وشهدت السكة حادثا تكتمت عنه المصادر الرسمية.
معطيات فندتها كل من الشركة الوطنية لسكك الحديدية، الطرف المستغل للقطار السريع والذي اقتنى القطارات، وشركة السكك الحديدية السريعة الطرف الذي اشرف على انجاز البنية التحتية للشبكة الحديدية السريعة في ردهما عن أسئلة “الصباح”.
وتحصلت في الغرض “الصباح” على نسخة من شهادة مصادقة دولية يوم 1 فيفري 2023، تفيد أن السكة والقطارات مطابقة للمواصفات الدولية وذلك قبل شهر من تدشين الخط (E) وهي حسب الشركة الشهادة الأولى من نوعها في تونس، أشرف على إنجازها مكتب دولي معتمد تثبت سلامة كل تجهيزات ومنشآت الشبكة الحديدية السريعة التي قام بانجازها خبراء تونسيون وتونسيات في الهندسة المدنية والمنشآت الفنية وخبرات في السكة وتوابعها وخبرات في التشوير وخبراء في الاتصال وخبراء في الطاقة.
وبالنسبة لتأمين السكة وملاءمتها والقطارات التي تم اقتنائها، أكدت الشركة الوطنية للسكك الحديدية أن كل العربات التي تم اقتناؤها سلمية ولم تخرج أيا منها على الخدمة، وأن النقل الحديدي هو الأمن على الإطلاق مستبعدة أن يشهد الخط حوادث بمستوى التأمين الذي يتوفر عليه. أما فيما يهم الاحتكاك المسجل فكان رد الشركة مقتضب وأفادت أن الأمر “عادي” ويحصل في عديد الدول وفي خطوط السكك الحديدية عبر العالم، وسجل في جزء من خط تونس -بوقطفة وكان محور استشارة ودراسة تم على خلفيتها تقديم جملة من التوصيات التقنية سيتم أخذها بعين الاعتبار.
أما بالنسبة لفرضيات خروج القطارات المبكر عن الخدمة فقالت شركة السكك الحديدية أن معدل عمر القطارات يتراوح بين الـ 30 و40 عاما،في حين يبلغ معدل عمر السكة في حالة الخط المتواصل بين الـ 25 و30 عاما ويتراجع معدل سنها إلى ما بين 15 و20 عاما في المنعرجات. وتتأثر الأرقام المذكورة بحجم الحمولة وكثافة الاستعمال للقطار والسكة على حد السواء.
ومن جانبها بينت شركة السكك الحديدية السريعة أن سلسة من الجلسات تم عقدها منذ ما قبل أن يدخل الخط حيز الاستغلال تمحورت حول تأمين الخط من مظاهر الانحراف والاعتداءات، وتم في كل محطة تهيئة مراكز أمن وكاميرهات مراقبة تم ربطها بمصالح وزارة الداخلية، هذا بالإضافة إلى توفير تواجد أمني دائم داخل القطار.
وشددت الشركة على سلامة القطار من الحوادث، وأفادت أنه مربوط بمنظومة تحكم عن بعد، أين تم بعث بالتوازي مع دخوله حيز الاستغلال مركز للقيادة والتحكم يشرف على منظومة التحكم الآلي للحد من المخاطر والأخطاء البشرية، باعتباره مركزا مجهزا بأحدث التقنيات لتأمين حركة القطارات يقدم نظرة شاملة على كامل الشبكة والتشوير، ويرسم مسار القطار ويتحكم فيه عن بعد وهو نظام مؤمن للغاية يرفض أي تدخل خارج قوانين سلامة سير القطارات.
وتمتد الشبكة الحديدية السريعة ككل على 5 خطوط طولها الإجمالي 86 كيلومترا، دخل الخط الأول A تونس- برج السدرية حيز الاستغلال منذ أفريل 2012، ويمتد على 23 كيلومترا. أما البقية فمنها من دخل حيز الاستغلال ومازال في جزء منه لم يكتمل بعد ومنها من ستنطلق الدراسات في شأنه السنة القادمة.
وتم إلى غاية اليوم انجاز القسط الأول من المشروع والمتمثل في الخطE، الرابط بين تونس المدينة وبوقطفة ويسجل تواتر كل نصف ساعة، وأفادت الشركة انه بفضل مركز التحكم بالإمكان أن يصل القطار إلى تواتر كل 5 دقائق. والخط (D) الرابط بين تونس المدينة والقباعة بلغ تقدم الأشغال فيه دون اعتبار منطقة باردو الـ 84%، مع إحداث ممرات علوية وسفلية وجسور مخصصة للقطارات والسيارات والمترجلين بشكل يحمي مسار القطار ويُلغي إمكانية التقاطع معه.
ويهم الخط (C)الأحياء المتواجد على الخط تونس -فوشانة -المحمدية ويمتد على 19.2 كيلومترا، أما الخط (F) فيربط تونس ببورجل- أريانة الشمالية وطوله 10.5 كيلومتر، وهو الجزء الثاني من المشروع المعني بتحيين الدراسات بداية من سنة 2024.
وللإشارة كان مشروع السكك الحديدية السريعة ضمن النقاط التي تمت إثارتها خلال المجلس الوزاري الأخير برئاسة الحكومة يوم الجمعة الماضي، وتم التنصيص خلال على استكمال الأشغال الجارية على مستوى مدينة باردو حتى يتسنى الانطلاق التّدريجي في استغلال الخطّ D لمشروع الشّبكة الحديديّة السّريعة بداية من شهر سبتمبر 2024، واستغلاله بصفة كليّة خلال سنة 2026.
وتستغل الشركة الوطنية لسكك الحديدية 28 قطارا على الخطوط الحديدية السريعة تونس بوقطفة وتونس القباعة ثمن الواحد منها 20 مليون دينار. كما يستفيد من هذين الخطين نحو الـ 6 آلاف مواطن يقطنون الأحياء المتاخمة للسكة والتي تمر عبر الأحياء الغربية للعاصمة على غرار الزهور والزهروني والملاسين وسيدي حسين السيجومي والبرطال ومنوبة.
وتجدر الإشارة إلى أن النقل الحديدي يعد الوسيلة الأكثر سلاما والأطول سنا في العالم والأنجع لمشكلة الاكتظاظ المروي، ويشمل النقل بقطار السكك الحديدية ومترو الأنفاق والمترو الخفيف والترامواي. وتبقى تونس غير مواكبة بالشكل المطلوب لنسق تقدم النقل الحديدي، الذي تطور في العقود الأخيرة وأصبح يسير بالكهرباء ووصلت سرعته إلى ما يفوق الـ 300 كيلومتر في الساعة.
ويؤكد مختلف الخبراء أن النقل الحديدي يمكن أن يصنع نقلة نوعية اجتماعية واقتصادية في البلاد التونسية وهو عنوان واضح لتحقيق التنمية، ويمكنه أن يغير من شكل المدن التونسية خاصة منها ذات الكثافة السكانية العالية.
ريم سوودي
المصدر:
https://shorturl.at/FKU79